الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

حدث في مثل هذا اليوم


دائماً نتذكر أحداث وقعت في مثل هذا اليوم ولكنها دائماً أحداث عامة
ولكني اليوم تذكرت واقعة خاصة وإن كانت ترتبط بذكرى الانتصار العظيم في السادس من أكتوبر
في مثل هذا اليوم كنت جندي مجند في الكتيبة مدرعة رقم 00 وهي إحدى كتائب اللواء رقم 00 مدرع وهو ضمن الفرقة رقم 00 وهي جزء من الجيش الثاني.
كنت جندي إشارة مكلف بالخدمة على تحويلة التليفونات في الكتيبة. وكان موقع الكتيبة واللواء في منطقة أبو صوير . ولكنها إنتقلت الان وتحولت الصحراء التي كنا فيها إلي أرض زراعية جميلة.
بالطبع كانت التليفونات في غاية السوء مقارنة باليوم بل نستطيع أن نقول أنه لم يكن هناء شيء إسمه تليفونات بالمعنى المعروف اليوم داخل الجيش. وخاصة في كتائب المدرعات لأن الدبابات دائما تتلف الأسلاك التي تكون ممتدة على الأرض.
وبدأ هذا اليوم من مساء اليوم السابق له.
كان ضمن ضباط الكتيبة أحد الضباط حديث التخرج . وكان يرى أنه في درجة فوق درجات البشر فما بالكم من جندى مجند يعتبر هو أقل شيء في الجيش.
دق جرس التليفون ورفعت السماعة فوجدت سيادته.
* إديني يا إبني هذا الرقم في الزقازيق.
* إبنك ؟؟ طبعاً أحدث نفسي . تمام يافندم.
* كنت أعرف أن هذا رقم خطيبته
وأرجو أن تلاحظوا أن المطلوب هو الاتصال بشبكة الاتصالات الأهلية عن طرق الشبكة العسكرية وهذه عملية معقدة جداً.
المهم لم ينجح الاتصال
اتصل مرة اخرى.
* فين يا عسكري الزقازيق
* يا فندم الاتصال صعب ومش نافع الآن ولكننا نحاول.
* حاول بسرعة
* تمام يافندم
وبرضو لم ينجح الاتصال.
إتصل مرة أخرى وهو في قمة العصبية.
* فين يا ................. المكالمة. طبعاً النقط كانت شتيمة. حسب قاموس سيادته المثقف.
* يا فندم وأنا ذنبي إيه؟
* أنا جاي عندك يا إبن ............ أشوف إزاي المكالمة مش نافعة
* تحت أمرك يافندم.
ثم جلست أفكر في غضب كيف أنتقم من هذا الضابط الغير مؤدب.
أيضاً ماذا يحدث لو نجح الاتصال معه. أكيد سوف يعاقبني بغباء.
وبسرعة إتصلت ببدالة اللواء . وهذا أول باب نطرقه في أثناء محاولة الاتصال بالشبكة الأهلية. وكنت أعرف الخدمة في بدالة اللواء. وشرحت لهم الموقف . وطلبت منهم مراقبة الاتصال فإن نجح يفصلوه من عندهم.
وبالفعل جاء حضرة الملازم أول . وقام هو بالاتصال. وظل يحاول . وأخيراً قال أيوه يا حبيبتي .............. ملعون أبو الميري. وفهمت أن الاتصال نجح ولكن بدالة اللواء قاموا بالواجب.
وذهب لحاله.
ونمت أنا.
وفي تمام الساعة الثانية قبل الفجر . ضرب التليفون.
رفعت السماعة وقلت ألو.
* إنت رقم 00
* نعم يا فندم
* خليك معايا
* تمام يافندم
وظل سيادته نصف ساعة ينادي على الكتائب . وفي النهاية بدأ يلقي علينا نص الاشارة من وزير الحربية.
ونتيجة أنه يقرأ بسرعة . ولم أتمكن من ملاحقته . إدعيت أن الخط فصل . حتى لا أعطي تمام إستلام الاشارة. وظل ينادي يا رقم 00 ولم أرد عليه. ثم فصلت الاتصال . وأتصلت بأحدى الكتائب وصححنا لبعضنا الاشارة . ثم دخلت عليه مرة أخرى وأعطيت التمام.
وكانت عبارة عن تهنئة من الوزير بذكرى السادس من أكتوبر.
وحتى اليوم لا أعرف ما الداعي لهذا التوقيت.
وتوالت اشارات التهنئة بعدها من رئيس الاركان ثم قيادة الجيش الثاني وهكذا.
في الصباح كانت الكتيبة في أجازة بالطبع ( والأجازة في الجيش تعني أنه لا يوجد طابور تمام الصباح . ولا توجد تدريبات في هذا اليوم . ولكن الخدمة ليس لها أجازة . وأنا دائماً في خدمة على البدالة. سواء كان أجازة أو لا
في الساعة العاشرة إتصل عقيد ......... من قيادة اللواء.
* ألو مين معايا
* يحي يا فندم
* إزيك يا يحي
* ربنا يخليك لنا يا فندم
* إديني قائد الكتيبة
* قائد الكتيبة في أجازة يا فندم
* مين القائم مقامه
* رائد ............. يا فندم
* خلاص حولني عليه
* تمام يا فندم
وقمت بتحويل الاتصال على الرائد .................... فرد العسكري ( المراسل )
وقال أنه نائم
يا عم صحيه
لالا مقدرش أصحيه
طيب أعمل أيه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
المهم فتحت الخط مع العقيد وقلت مش عارف ليه يا فندم لا يرد أحد.
قال روح له خليه يتصل على
تمام يا فندم
واغلق الخط
وحاولت مرة اخرى مع مراسل الرائد ورفض ايضا ان يوقظه.
رجعت لمحل خدمتي ولكنه عاود الاتصال
* فين يا ابني الرئد ...............
* فقلت له في الطابور يا فندم
* طابور أيه النهارده أجازة
* مش عارف ولكن أنا شايف طابور
* طيب خليه يتصل عليّ
* تمام يا فندم
ووقعت في حيرة شديدة ماذا أفعل
الرائد نايم . والعقيد خلاص إنفعل.
فلو أخبرته أن الرائد نائم . ربما يعتبرني الرائد أشي به . ولو أيقظته ربما يغضب ويعاقبني.
*المهم عاود العقيد الاتصال وهو منفعل... أنا مش قلت خلي الرائد ............ يتصل بي.
* يا فندم صرف الطابور وبيمر على السراي
وهنا فتح سيادته قاموس السفالة وتلاه علي بالكامل ( والحق أنني لم أغضب ) فلو كنت مكانه كنت عملت كده . ولكنه ختم كلامه ( أنت محول لمكتب قائد اللواء )
* ولم أقول غير تمام يافندم
ولا أنكر أنني فقدت كل إتزاني . فأنا الآن أنتظر السجن حتما. ولا أملك أي حل.
وظللت هكذا حتى الساعة الثالثة بعد الظهر. أكاد أبكي من الموقف الذي أنا فيه.
في الساعة الثالثة وجدت قائد الكتيبة يدخل بسيارته عائداً من أجازة . وكان يحبني وكنت أحبه ولي دلال عليه كبير.
وبمجرد دخوله مكتبه إتصلت عليه.
* حمدا لله على سلامتك يا فندم
* الله يسلمك يا يحي
* في إشارات أجيبها لسيادتك الآن
* تعالى
وذهبت إليه وبعد إستلامه للإشارة . أخبرته بكل ما حدث.
قال خلاص الساعة 7 عندنا إجتماع هشوف الموضوع ده. ولكن إنت غلطان يا يحي. المفروض تنفذ الامر.
* أسف يا فندم بس ده اللي حصل.
* إنصراف إنت الآن
* تمام يا فندم
وفي المساء أخبرني أن المشكلة تم حلها.

وكل عام وأنتم بخير

الأحد، 4 أكتوبر 2009

فارس بني العيال

فارس بني العيال هو فارس ويحمل كل سمات الفوارس ولكننا نستطيع أن نقول أنه فارس في قبيلة من العيال أو فارس في ميدان العيال.هو لا يعرف كيف ومتى كان فارساً ولكنه وجد نفسه هكذا.هو لا يرى في نفسه أي من مقومات الفروسية . ولكنهم أركبوه فوق الجواد دون رغبة منه . وينتظرون منه تحقيق البطولة.فتعالوا بنا نرافق فارساً منذ البداية ونتوقف عند مراحل معينة في حياته.عندما كان في المرحلة الابتدائية . وتحديداً في المرحلة الخامسة إرتعب يوما من المدرس الخاص فقرر عدم الذهاب إليه . وهام على وجهه بين الدروب وبين الحقول حتى يضيع الوقت.ولكن سرعان ما أنكشف أمر فارس الهارب. وبقدرة قادر وجد نفسه بين حشد من الأساطير التي تتحدث عن عبقريته في الهروب. وكانت المرة الأولى التي يعتلي فيها بطلنا صهوة الجواد أو بمعنى أدق وجد نفسه فوق ظهر الجواد.وعقد مجلس الحرب العائلي وتباحثوا في جريمة الفارس . وأتخذوا قرارات حاسمة في مواجهة صولاته وجولاته . مع أن واقع الأمر يقول أن فارس ليس له سوابق في هذا الميدان . وربما كانت هي المرة الوحيدة في حياته. ولكنه إنتشى بكونه موضع إهتمام الجميع فقرر أن يواصل الدور الذي ظن أنه يجعلهم يضعونه فوق صهوة الجواد.وأستغل فارس الفرصة ولم يضيعها . فأصبح يتعمد إرتكاب الأخطاء التي تجعلهم دائما يرفعونه فوق صهوة جواده.ورحل فارس ليتغرب لأول مرة في حياته. في مدينة بعيدة برفقة أحد أقاربه. وهناك وقع فارس في براثن أنانية ذلك المرافق. ولكن شكواه الظالمة من فارس طمعاً في كسب الود . وضعت في سجل فارس القديم . مما حافظ له على موقعه فوق صهوة الجواد.فقرر أيضاً العودة لتعمد الأخطاء . وكانت البداية في التواصل مع الجنس الآخر . كل زملائه في المدرسة يفعلون ذلك وبكل سلاسة ودون أي مشكلة. فلماذا لا يخوض التجربة. وبالفعل نجح بسرعة مذهلة . لعناصر يمتلكها في هذه المرحلة من عمره. ولكن فات فارسنا أنه ليس مثل باقي الزملاء!!! فهو غريب . ونظراً لأنه قد أختار أجمل من في المدرسة . فكانت الغيرة على نفس القدر. ووقع ضحية مؤامرة الغيرة . وضعف الغربة. مما تسبب في كشف أمره . وسرعان ما راح مرافقه في الغربة يسجل عند الأهل بطولة الفارس الجديدة. ودعمها بالكثير من الأكاذيب . فأصبح فارس دنجواي ذلك المجتمع مع أنه يجهل كل مقومات ذلك. بل إنها مجرد تجربة واحدة بينما هناك من هذا المجتمع الكثيرين ممن لهم عشرات التجارب ولا يتحدث عنهم أحد.ولكن فارس قرر أيضاً إستثمار ذلك الزخم الكاذب حول صولاته وجولاته.وأنتقل فارس لمدينة أخرى ولكن برفقة قريب آخر . تحمل مسئولية تقويم فارس.كان مختلفاً كثيراً عن سابقه . فهو لا ينقل الأخبار ولا يدعي الأكاذيب . ولكنه كان يرتكب أضعاف أضعاف ما أقترف فارس يوماً وأتهمه الجميع لذلك. والغريب أن الكل يحترمه ولا يدينه. مما دفع فارس لأول مرة في حياته أن يحاول إنتزاع حقه. ولكن ونتيجة جهله إنصدم بذلك المرافق. ففارس لم يكن يعرف غير المتاح . ولكن ذلك المتاح ملك لذلك المرافق. لم ينقل المرافق ما حدث للقيادة العليا في العائلة . ولكنه نقله للشباب . مما رفع فارس فوق الأعناق. مع أنه كان هذه المرة غير سعيد بذلك.ونسجت الاساطير والأكاذيب حول فارس . وغروره جعله لا يدافع عن نفسه بل أحيانا كان يدعم هذه الأكاذيب بنفسه وخاصة مع أبناء جيله. ولكنه أصر على أن ينتقم لنفسه. وفي معركة كان خسرها لحساب زميل معه في المدرسة . وكانت حول إحدى الفتيات . قرر فارس أن لا يستسلم للهزيمة . وخاصة أنه بعيداً عن محيط العائلة .هل تعلمون ما فعل؟كان ذلك الزميل المنافس إبن تاجر حبوب . وكان الزملاء عندما يريدون معاكسة الفتاة موضوع الصراع ينادون عليها بلقب ( عدس ) نسبة لتجارة الحبوب التي ينتمي إليها حبيبها أو مرافقها.وذات صباح ذهب فارس مبكراً للمدرسة حاملاً معه كيلو ( عدس ) ونثره في حوش المدرسة والطرقات والفصل.فما كان إلا عبارة عن ثورة العدس في ذلك اليوم. فالجميع كان يتحدث عن العدس ويتندر بالعدس. مما تسبب في غياب الفتاة أسبوع عن المدرسة . وتسبب في تدمير العلاقة بينها وبين ذلك الزميل . وفاز فارس بها بعد هدوء الأحوال. وكانت هي أول بطولة حقيقية لفارس في إدارة رحى المعركة. وإستخدام أسلحة ( محرمة )وأنتقل فارس ليعيش بعيداً عن أي مرافق . وخاصة أنه بلغ المرحلة الثانوية

*******************

في هذه المرحلة وجد فارسنا نفسه بلا قائد وبلا قدوة
وكان عليه أن يعتلي الجواد بنفسه لأول مرة .
وبالفعل نجح في إعتلاء الجواد ولكنه وقع في خطأ كبير عندما لم يحدد لنفسه الميدان الذي يتبارى فيه.
ودون أن يدري وجد نفسه يتصارع في عدة ميادين في نفس الوقت.
ويصعب علينا ملاحقته في كل الميادين التي أقحم نفسه فيها بجهل أو بقلة خبرة أو نتيجة غرور الشباب وتفاعلات مرحلة المراهقة.
ونكتفي بأربعة ميادين بل نكتفي منها بموجز بسيط للتدليل عليها فقط.
الميدان الأول : كان إثبات الذات أمام الأهل في المقام الأول والمجتمع في المقام الثاني . ونظراً لإفتقاده للقائد فلقد إفتقد الطريق الذي يحقق له ذلك. فلقد تاه في تحديد الهدف . ولذلك نجده أخذ من كل صوب طرفاً . ولكنه بكل تأكيد لم يبلغ النجاح في أي صوب.نعم تظن به علما عندما تحاوره أو تستمع إليه . ولكنك سرعان ما تكتشف أنه غير متعمق في أي مجال. ولكنه بالقطع نجح في إيهام رفاقه بفروسيته نظراً لجهلهم هم وليس لعلمه هو. وبالقطع لم يحقق أي تقدم أمام الأهل. لأنه إبتعد عن الميادين التي تأخذ كل إهتمامهم.
الميدان الثاني : كان في منتهى الغرابة . فارسنا يحاول أن يجمع المتناقضات مع بعضها . نعم هو يريد أن يعرف وأن يتعلم ولكن بجمع النقيض مع نقيضه. ونأخذ مثال من هذا الجمع الشاذ .
فارسنا كان شغوفاً بكل ما يتعلق بحواء وبكل ما له علاقة بها . سواء كان حلالاً أو حراماً ليس مهم مادام مقتنعاً بأن ذلك علماً . ومقتنع بأنه ( لا حياء في العلم ) لدرجة أن بنات جيله كن يندهشن من حجم معلوماته ومعرفته بما قد لا يعرفنه عن أنفسهن.
وعلى الجانب الآخر نجده عضو بارز في الجماعات الاسلامية بل وعرضت عليه القيادة لإقتناعهم بعلمه ومعرفته . ولكنه رفضها . لنفس السبب الذي كان يقيده في الجانب الآخر . وهو وجود هاتف في أعماقه يرفض كل ذلك. كانوا دائماً يقولون له أنك أخونا الفارس تمتلك كل عناصر الايمان . وفي نفس الوقت لا تحافظ عليها.
الطريف في الأمر أن فارسنا كان دائما ما يحب أن يختبر فروسيته في الجانبين . وكثيراً ما يطرح أسئلة سواء هنا أو هناك تثير الجدل وتحير الطرف الآخر.
وناخذ مثال من أسئلته التهكمية على رفاقه ممن يطلقون على أنفسهم الجماعات الإسلامية . ( ترى هل يجب على الشخص الذي يقبل زميلته في العمل أن يعيد الوضوء أو يكتفي بغسل موضع القبلة ) قد يبدو السؤال لحضراتكم ساذجاً أو تافهاً أو إستفذاذياً. ولكن عندما نعلم أن فارس لم يكن مقتنعاً أصلاً بهؤلاء الذين طرح عليهم السؤال نعرف مدى دهاء فارس.
ويقول فارس في مذكراته . أنه أكتشف جهل وسطحية حوالي 90% من هذه العناصر. وبكل الأسف تحركهم نسبة العشرة في المأئة الباقية. معتمدة على جهلهم أو ظروفهم الاجتماعية أو الدراسية أو النفسية.
الميدان الثالث : كان فارس يشعر بأنه هناك قروي ساذج يسكنه . وعليه أن يقتله . وهنا كان خطأ جسيم أقدم عليه فارس . لأنه بعد ذلك وجد نفسه بلا جذور تثبته في الأرض . وعانى كثيراً حتى تمكن من إحياء ذلك القروي مرة أخرى في أعماقه . ولكن بعد ترويضه. ولنا أن نتعاطف مع فارس في هذا الميدان. فهو كان غريباً وحيداً يحيا في المدينة . لغة غير لغة خطاب القرية . وإهتمامات غير إهتمامات القرية . وعادات غير عادات القرية. وهو وحيداً لا شيء يحميه من الانتقاد لو تمسك بقرويته بين أهل المدينة. نعم تعاطفي معه ليس دفاعا عنه ولا عن ما قام به . ولكن علينا أن نضع أنفسنا في مكانه وفي زمانه قبل أن نحكم عليه.
المهم أن فارس في هذا الميدان قطع كل صلاة التواصل مع القرية أو مع أهلها . ولولاً الارتباط العائلي وصلة الرحم ما كان هناك شيء يربطه بالقرية . لدرجة أنه كان عندما يزور القرية يشعر بأنه خارج دائرة الحياة. لا يفهمهم ولا يفهمونه .ونأخذ مثال طريف من ذلك .
كان فارس يضيق زرعاً بأن أهله يوقظونه من النوم قبل العاشرة صباحاً . حتى يفطر . ولا يجد لهم مبرراً في ذلك . بينما هم قلوبهم عليه . ويدخل في جدل طويل وقد يصل الأمر لغضب وزعل. مع أنه ليس هناك موضوع أصلاً يستدعي ذلك. ولكنه متمرد عليهم في كل شيء. ويريد أن يقول لهم أنتم خارج دائرة الحياة . ويمنعه حيائه الذي يعتبر نقطة ضعف فارس خلال رحلته كلها. ولكن وإن كان لسانه لا ينطقها فكل تصرفاته تصرخ بها.
ولكن هناك نقطة غريبة في شخصية فارس تدعو للحيرة . هو كان دائماً يدافع عن القرية وهو بعيد عنها . ربما يكون ذلك ندما على قتله للقروي الذي كان يسكنه.
الميدان الرابع : وهذا الميدان تفرضه على كل الشباب عوامل المراهقة . وهو علاقاته الغرامية . وبرغم حيائه الفطري والذي ربما يشكل عقبة أمام كل راغب في خوض ذلك الميدان . إلا أنه كان يمتلك عدة أسلحة أخرى تساعده في النجاح . بعضها فطرها الله فيه وبعضها أكتسبها نتيجة ترحاله مع صغر سنه ونتيجة المعلومات التي تتوفر لدية مقارنة بأقرانه . ولا نغفل عامل في غاية الأهمية . وهو حريته . فهو بلا رقيب كما أسلفنا من قبل. فهو لا يهتم مثلا بميعاد اللقاء ولا مكانه ولا حتى نتائجه.
وهناك عامل مساعد آخر كان في غاية الأهمية . وهو الأسطورة التي فرضت عليه من أقرانه . إنتقلت بطريقة ما من قريته لتصل إلى زملائه ورفاقه في المدينة فأعادوا صياغتها بما يتلائم مع المكان. والحق أن فارس لم يعمل أبداً على تدعيمها ولكنه في نفس الوقت لم ينكرها أو ينفيها أو يحاربها . كان يعتبر أن ذلك ( خير قادم إليه ) فكيف يعترض عليه.وكما هو فارسنا في كل ميدان كان أيضاً في هذا الميدان . أكتفى بعناصر الابهار ولم يتعمق كعادته. ولعل ذلك قد ساعده في النجاة من السقوط في الهاوية . ولكن لا يمكن أن ندعي له بطولة في ذلك.
وكما نجا من هاوية الجماعات الاسلامية . بفضل عوامل فطرت في شخصيته وتكوينه وربما بفضل العناية الالاهية. نجا أيضاً في هذا الميدان لنفس العوامل والتي لا نستطيع أن نصبغها بصبغة البطولة . ولكن لا يمكن أن ننكرها عليه أو لا نعتبرها من سماته المميزة.
فأي بطل لابد وأن يكون قد حباه الله بعوامل تساعده في تحقيق البطولة . ولكن لانستطيع أن تمنحه البطولة إلا إذا عمل وسعى هو بنفسه للبطولة.
فبطل رفع الأثقال مثلا يكون بالفطرة قوى البنية . ويمتلك عضلات تختلف عن غيره . وهذا ليس له يد فيه . ولكن كيفية المحافظة على هذه البنية وتقويتها بجانب العزيمة . هذا يكون للبطل.
وهنا نتوقف حتى نستريح ثم نعود مع بطلنا لنخوض معه مراحل هذه الفترة الزمنية من عمره. ونرى كيف كان أدائه في كل ميدان . ونرى ما حققه وما أخفق فيه بل ونرى كم مرة وقع من فوق جواده وكم طعنة في جسده.

*******************


ودخل فارس معركة إثبات الذات بلا هوية محددة فهو ينجذب دائماً صوب أي بريق يومض دون تدقيق فهو لم يخرج من المرحلة السابقة إلا بنتائج قاسية . وظن أنه حان الوقت كي يبحث بنفسه عن هوية تميزه . وكان لابد أن يخلع جلبابه القديم المرتبط بالريف وبالاهل . ولكنه فعل ذلك قبل أن يجد جلباب جديد يحميه من عوامل الحياة . وكان لابد وأن يواجه صعاب أشد قسوة من التي واجهها في المرحلة السابقة.
هو كان قد فرش الأرض في السنة الأخيرة عندما كان برفقة قريبه الثاني . ولم يعد يشعر بالغربة التي جعلته يفشل في التجربة العاطفية الأولى . فارس لم يعد يشعر بالغربة في مدينته الجديدة. وأصبح له أصدقاء من الممكن أن يكونوا سنده وعلى رأس هؤلاء الأصدقاء كان ثلاثة. الأول سعيد . وهذا من جذبه لتيار الجماعات الاسلامية بدون تعمد منه. وعبوده وحموده وهؤلاء رفقة العمر في هذه المرحلة . كانوا أبناء عم ولكن درجة التباين بينهما كانت شاسعة جداً. فالاول ( عبوده ) يمثل التهور الذي لا يحكمه عقل غالباً وكثيراً ما يحتاج لعقل فارس أو خبرته. والثاني حمودة يمثل العقل والضمير معاً . وكان فارس يجده الرقيب الذي لابد منه. وكان هناك غيرهم الكثير ولكن سوف نكتفي بالثلاثة.
ونبدأ مع الأول سعيد . كان يحمل قلب ملاك . وهو الولد الوحيد على سبعة بنات. طموحه محدود جداً بعكس فارس الذي كان لا يجد سقف لطموحه. وكان يحمل سمات كثيرة تميزه من حيث خفة الدم وأيضاً التناقض . كان في الاساس زميل لخال فارس ومعنى ذلك أنه كان أكبر عمراً من فارس. وكان دائماً ما يطالب بحقه في لقب ( خال ) سعيد كان ملتزماً بالصلاة ولكنه لم يكن واسع المعرفة بأمور الدين . هو فقط ملتزم بالفطرة. ليس له مغامرات عنيفة بعكس فارس الذي كثيراً ما يلقي بنفسه في مغامرات معظمها خطر وأحيانا غير محسوبة.
وفي صيف أحد الأعوام وتحديدا الصيف الفاصل بين المرحلة الأولى والثانية الثانوية تقابل فارس بالصدفة مع سعيد في الشارع . إندهش فارس لمنظر سعيد . فلقد أطلق لحيته . وغير أسلوب حديثه. وبعد حوار عنيف بينهما . كان كل منهما يريد أن يجذب الثاني لأسلوبه . وفشل الطرفان في ذلك . إفترقا مع تهديد من فارس لسعيد . إن لم يعود لطبيعته المعروفة لفارس من قبل.
ولكن في حقيقة الأمر . فارس في أعماقه قد قرر أن يخوض هذه التجربة . ولكن كيف!!! هو لا يعرف. فهو يريد الاستفادة من بريق الجماعات الاسلامية المنتشرة في هذا التوقيت ولكن بشرط أن لا يفرط في أي من مجالاته الأخرى ومنها بالطبع المتناقض تماما مع منهج هذه الجماعات. على كل حال كان لابد وأن ينتظر إنقضاء الأجازة الصيفية.
وبمجرد العودة للمدينة تدخلت الظروف سريعاً لجذب فارس إلي هذا التيار. فلقد أتخذ سكن مجاور لإحدى خلايا هذه الجماعات بالصدفة. وكانت لهم زاوية في المنزل المجاور لم ينتبه إليه فارس قبل إستئجار السكن الجديد. ولكنه فرح كثيراً عندما علم بأمرهم. وألقى نفسه متعمداً في طريقهم حتى يحاولوا هم جذبه إليهم. فهو لم يفضل أن يطرق هو أبوابهم. ولم يمر أسبوع حتى كان فارس محسوب عليهم. ودون أن يعرف بذلك سعيد. وتعمد فارس أن لا يلتقي بسعيد في هذه المرحلة خوفاً من أن يفسد عليه خطته.
وكان لابد من الصدام المبكر بين فارس وبين قادة الجماعة . بل إن فارس تعمد الصدام حتى ينتزع لنفسه موقع متميز بينهم. وخاصة أنه لم يقتنع بأشخاصهم ولا بدرجة علمهم ولا بمنهجهم المعتمد على ترديد النصوص دون تأويل لها.
وكانت الضربة الكبرى لفارس في منتصف العام . فهم يريدون إقامة معسكر في أجازة نصف العام . وكل تركيزهم منصب حول إيجاد مكان بعيد عن أعين الشرطة. وهنا تدخل فارس بعنف وقال أن المعسكر لابد وأن يكون تحت نظر الشرطة حتى لا يثر شكوكهم. بالطبع إتهموه بالجنون. فأعلن العصيان والتحدي بأنه سوف يستأجر معسكر في أبعد مكان يمكن لخيالهم أن يحلم به. وكان على علاقة ببعض الاخوان في إتحادات طلاب كلية الزراعة وكلية التجارة وكلية الآداب . وساعدوه في حجز معسكر في المدينة الجامعية لسكن الطلاب . وهو معسكر تحت نظر إدارة الجامعة ونظر حرس الجامعة ونظر مباحث أمن الدولة.
وبالطبع إنسحب المرتجفون والمعارضون . ولكن نجاح المعسكر رفع فارس فوق الجميع. وخلال المعسكر إلتقى فارس بسعيد. وتحول الاندهاش من فارس لسعيد. كيف بلغ فارس هذا في هذه المدة القصيرة. وبالطبع حدثت لفارس بعض المعوقات من حرس الجامعة. ولكن شخصية فارس وهيئته جعلتهم يكتفون بالتحذير من أي خروج عن النص. ولكن فارس كان ملتزماً من هذه الناحية فهو لم يعمد أبداً لمواجهة الأمن. وليس هناك ما يدعو لذلك أصلاً. كما أن فارس لم يتخلى عن طبيعته الفطرية وهي التمرد . فهو لم يلتزم بالمعسكر . وغالباً ما يلاقيه رجال أمن الجامعة برفقة فتيات. خارج أسوار المعسكر . كما أن فارس لم يكن يبات في المعسكر. بالاضافة أنه غير ملتحي .
بعد المعسكر عرضت عليه قيادة الجماعة في المحافظة ان يتولي إمارة إحدى الجماعات. بالطبع تحت شروط معينة. ولكن فارس رفض ذلك. وبعد فترة كانت قد حدثت فيها عدة مظاهرات وكان لفارس دور بارز في التخطيط دون المشاركة الفعلية . أعادوا عرض الامارة عليه مع إستعدادهم للتخلي عن شروطهم . ولكنه أيضاً رفض ذلك.
فهو بعد عامين من الانخراط بينهم كان قد إتخذ قرار بهجر هذا التيار . ولكنهم من النوع المتزمت ولابد من الانسحاب التدريجي حتى لا يتم استثارتهم ضده.
ولم يكن الأمر صعباً عليه وخاصة أنه بعد المرحلة الثانوية كان عليه أن ينتقل لمدينة أخرى حتى يلتحق بالجامعة.
من المواقف الطريفة في هذه المرحلة يذكر فارس لنا ثلاث مواقف .
الأول أسلوب فارس الاستفزازي في طرح أسئلة التهكم على قادة الجماعة.
الموقف الثاني علاقة الاستهتار البالغة التي يتعامل بها مع سعيد. ومنها مثلاً.
ذهب ذات مرة لزيارة سعيد ووجد عنده كم رهيب من المنشورات المعدة للتوزيع . فعرض عليه أن يقوم بتوزيع بعضها. المهم بعد فترة ذهب سعيد لزيارة فارس . وجلس لتناول طعام العشاء معه . ولكنه لاحظ أثناء العشاء أن الطعام مفروش تحته أوراق المنشورات. وأنفعل سعيد وغرق فارس في الضحك.
الموقف الثالث . أثناء أحد المعسكرات . خارج فارس للهروب من المعسكر . فوجد أحد المكلفين بحراسة البوابة يتهاوش مع أخر وتدخل فارس . فوجد أن أحد الأعضاء يريد فقط أن يشترى ( ساندوتش ) من خارج المعسكر . فأفتى فارس أن هذا ممنوع ويخالف إلتزام الجماعة بتناول طعام واحد . ورضخ العضو . وما هي إلا دقائق وكان فارس في أحد مطاعم المدينة.
وإلي اللقاء